اعتبر تقرير للكونغرس الأمريكي أن وجود القاعدة في اليمن والصومال يشكّل تهديداً للمصالح الأميركية، مشيرا إلى أن تواجدها في هذين البلدين يحولهما إلى قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي وقت, وفي حين أوضح أن القاعدة غير قادرة على الإطاحة بنظام الرئيس علي عبد الله صالح, أكد أنها تمتلك قدرات تمكنها من القيام بعمليات واسعة النطاق ضد المصالح الأجنبية, في الوقت الذي تعاني فيه اليمن من نقص في مواردها الطبيعية, ومنها المخزون النفطي الذي من المرجح أن ينفد بحلول عام 2017, ويشكل 75% من إجمالي دخلها.
وكشف التقرير الصادر مؤخرا عن لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي, ونشره موقع جريدة إيلاف على شبكة الانترنت, أن "القاعدة في اليمن والصومال قنبلة موقوتة" للتعبير عن مدى التهديد الذي يمثله تنظيم القاعدة لاسيما في ظل التكتيكات التي تتبناها القاعدة في تغيير جبهاتها من وقت لآخر بحسب الأوضاع الأمنية.
وأشار إلى أن عناصر القاعدة بحثت لها عن موطئ قدم في المنطقة القبلية على الجانب الباكستاني من الحدود مع أفغانستان في أعقاب العمليات العسكرية الأميركية والغربية في العراق وأفغانستان ما دفع الولايات المتحدة وباكستان للقيام بعمليات عسكرية واستخباراتية مشتركة ضد معاقل التنظيم أدت بصورة واضحة إلى فرار عديد من العناصر المسلحة وتوجهها إلى مناطق جديدة تمثلت بصورة رئيسة في شمال إفريقيا وجنوب آسيا, ومنها اليمن.
وأوضح أن القاعدة أثبتت خلال السنوات الأخيرة قدرتها على التكيف مع الظروف وتمتعها بدرجة عالية من المرونة, معتبرا أنها التهديد الإرهابي الأخطر في العالم.
وتطرق إلى محاولة تفجير الطائرة الأميركية على يد النيجيري "عمر فاروق عبد المطلب" عشية عيد الميلاد مؤخرًا, مبينا أن المحاولة تعد مؤشرا عما يمثله تنظيم القاعدة من تهديد للمصالح الأميركية، في حين أن عبد المطلب يتهم بتلقي تدريبات في أحد المعسكرات التابعة للقاعدة في اليمن.
واعتبر أن عملية عيد الميلاد الإرهابية, حسب تسميته, تشير بدرجة أو بأخرى إلى قدرة تنظيم القاعدة على توسيع دائرة استقطابه ليتمكن من جذب عناصر غير تقليدية داخل تنظيمه فالمتهم في تلك العملية هو شاب نيجيري يدعى "عمر فاروق" وكان لديه تأشيرة تعليم باليمن تجاوزت مدتها، وحصل على تدريب على استخدام المتفجرات في أحد المعسكرات التابعة للقاعدة هناك, ما يعني أن محاولة تفجير طائرة ديترويت الأمريكية تعد إشارة واضحة على التهديد الجديد الذي تُشكله شبكة إرهابية لطالما اعتبرت أنها تهديد إقليمي فقط وليست تهديدًا عالميًّا، في إطار تكتيكات مستحدثة تتبناها القاعدة في استقطاب عناصر جديدة لها.
إلى ذلك, أوضح التقرير الأمريكي أن المكونات اليمنية في المتفجرات والجنسية النيجيرية للمتهم في العملية والرحلة المستهدفة القادمة من هولندا تشير بدرجة أو بأخرى إلى ضرورة عدم اقتصار جهود مكافحة الإرهاب الأميركية على دولة أو إقليم بعينه ولكن الهجمات والتهديد يمكن أن يأتي من أي مكان وهو ما يتطلب في الوقت ذاته القيام بعملية تقييم استراتيجي للأوضاع والتهديدات التي تكتنف الولايات المتحدة في ظل التكتيكات الجديدة التي تتبناها القاعدة.
الأوضاع في اليمن
وفي السياق, قال التقرير إن تنظيم القاعدة يسعى إلى استغلال الضعف الذي تعاني منه الحكومة المركزية في اليمن وتوسيع نشاطه على الساحة الداخلية هناك, مشيرا إلى أن اليمن تعاني من عديد من الأزمات الداخلية أوجدت بيئة مواتية للقاعدة، في حين تعاني الحكومة المركزية في اليمن من ضعف ملحوظ وعدم قدرتها على بسط سيطرتها على مساحات واسعة من الدولة فضلاً عن عدم توافر الإمكانيات التي تمكن السلطات اليمنية من التعامل مع التهديدات الإرهابية.
وأضاف أن الأزمات الداخلية وحركات التمرد الداخلية والتي (من أبرزها الحرب مع الحوثيين), أدت إلى مزيد من الإضعاف للحكومة اليمنية ومنعها من توحيد جهودها لمواجهة تنظيم القاعدة وهذا ما أكده وزير الخارجية اليمني "أبو بكر القربي" عندما قال: "إن التمرد والحركات الانفصالية صرفت انتباه الحكومة عن ملاحقة عناصر القاعدة العام الماضي", حد ما أودره التقرير.
وأشار إلى أن ندرة الموارد الطبيعية المتوافرة في اليمن, يشجع القاعدة على استغلال الوضع فيها, فمخزون اليمن من النفط يمثل 75%من إجمالي دخلها ومن المرجح أن ينفد بحلول عام 2017 بالإضافة إلى الاستنفاد المتصارع للمياه باليمن وازدياد معدلات الفقر الأمر الذي يخلق ظروفًا وأوضاعًا اقتصادية متأزمة فيما تشهد اليمن أعلى معدل نمو سكاني على مستوى العالم 3.4 % سنويًّا مما يقيد من قدرة الحكومة على تقديم الخدمات لكافة السكان وقد شكلت تلك الأوضاع مجتمعة عوامل مساعدة لتنظيم القاعدة بشبه الجزيرة العربية لتوسيع دائرة تواجده باليمن وخاصة بعد الضربات المؤثرة التي تلقاها عناصره في السعودية وغيرها من الدول.
وأوضح التقرير أن العديد من المراقبين والمحللين أبدوا تخوفهم تجاه الأوضاع في اليمن خاصة مع وجود معسكرات تابعة للتنظيم في مناطق منعزلة داخلها تدار بواسطة معتقلين سابقين ومقاتلين قادمين من كل من العراق وأفغانستان, مشيرا إلى أن تلك المعسكرات تقوم بإعداد مواطنين أميركيين هاجروا لليمن للزواج بسيدات يمنيات أو بعد اعتناقهم الإسلام في سجون أميركية.
وأورد, على لسان عدد من مسئولي المخابرات الأميركيين أثناء مقابلات لهم مع لجنة العلاقات الخارجية ديسمبر الماضي 2009, أن هناك ما يقرب من 36 مسجونًا أميركيًّا سابق توجهوا إلى اليمن العام الماضي 2009 بحجة دراسة اللغة العربية, إلا أن عددا كبيرا منهم اختفوا, ومن المرجح أن يكونوا قد انتقلوا إلى معسكرات التدريب التابعة للقاعدة وتبني الشكل الأكثر تطرفًا من الإسلام وهو ما يمثل تهديدًا للولايات المتحدة في ظل المتطرفين الذين يحملون جوازات سفر أميركية.
وأوضح التقرير أن عددًا من الأميركيين الذين يتحولون للإسلام ويتم تجنيدهم من جانب القاعدة يرتكزون بصورة كبيرة في اليمن ويُعد أنور العولقي Anwar al-Awlaki المولود في الولايات المتحدة الأبرز في هذا الشأن. فقد كشفت عديد من التقارير أنه المستشار الروحي للرائد بالجيش الأميركي "نضال حسن" المتهم بقتل 13 شخصًا في قاعدة "فورت هود" بتكساس إبان شهر نوفمبر 2009، كما أنه يحض "الأصوليين المسلمين من الشباب"على الاستمرار في الجهاد و"مقاتلة الصليبيين"، وعلى أثر ذلك يعتبر المسؤولون الأميركيون العولقي Awlaki تهديدًا مباشرًا للمصالح الأميركية.
الإطاحة بالرئيس صالح
في جهة مقابلة, قال التقرير إن تنظيم القاعدة ليس لديه قدرات بما يكفي للإطاحة بنظام الرئيس عبد الله صالح, إلا أنه يملك قدرات على القيام بعمليات واسعة النطاق وبالغة الأثر في استهداف المصالح الأجنبية والمنشآت النفطية, مستدلا بما حدث للسفارة الأميركية في صنعاء 17 من سبتمبر 2008, التي تعرضت لتفجير سيارة مفخخة خلفت عددا من الضحايا, في حين هدد التنظيم بمهاجمة منشآت النفط ومصالح أجنبية في البلاد, إضافة إلى تهديد السائحين الأجانب.
ويخلص التقرير, طبقا لما نشره موقع "إيلاف" الالكتروني, إلى أن الأوضاع المتردية في اليمن ساهمت بشكل كبير في إيجاد بيئة مواتية لتنظيم القاعدة وهو ما تنبه إليه المسؤولون الأميركيون إذ اعتبروا أن اليمن أصبحت ملاذًا آمنًا للعناصر المتطرفة بما يشكله ذلك من تهديد للمصالح الأميركية وبالتالي سعت الحكومة الأميركية إلى تقديم مزيدٍ من الدعم للحكومة اليمنية حيث قررت تقديم ما يزيد عن 50 مليون كمساعدات اقتصادية وعسكرية لليمن.
ودعا التقرير في ختامه إلى التعامل مع التهديد الإرهابي من خلال منظور متعدد الأبعاد لا يحصر تلك القضية في الجانب الأمني فقط ولكنه يتجاوزه لمحاولة إيجاد حلول جذرية للأسباب التي تشكل بيئة مناسبة لنمو التطرف مثل تزايد معدلات الفقر والأمية وتردي الأوضاع الاقتصادية وانتهاكات حقوق الإنسان.