أينما ترحل بك النظرات ترى بطالة وعاطلين عن العمل شباباً قاعدين على أرصفة الشوارع وأبواب الدكاكين والمحلات العامة يقضون أوقاتهم في التخازين أو أكل الزعقة ولعب البطة والدمنة بعد أن أتاحت لهم الظروف هذه الأوقات لكي يهدروها دون فائدة.
حصة الإنسان في الميزانية العامة للدولة تتقلص في مقابل زيادة متسارعة في الإنفاق على شراء الأسلحة واعتمادات قيادات عسكرية.
لكن ما هو مؤكد أن المستقبل يزداد ضبابية في عيون الشباب اليمني في أرجاء البلد، وما يعيشه شباب المحويت هو نموذج لأقرانهم في بقية المحافظات.
أصعب ما في الحياة أن يعيش الشاب بلا أمل أو مستقبل واضح، فكيف ستكون الحياة إن هو شعر أنه ليس من حقه أن يحلم بالغد لأنه لا يملك حتى حق التفكير في تحديد ملامح واضحة لمستقبله ؟!
أعداد غفيره من الشباب العاطلين، ومعظمهم من خريجي الثانوية العامة، أمام إدارة أمن محافظه المحويت للمطالبة بضمهم للكشوفات التي رفعها أعضاء المجالس المحلية بالمديريات حتى يتسنى لهم التقدم إلى اللجنة المكلفة بفحص من سيتم تجنيدهم في الدفعة المخصصة لكل مديريه (عدد 23 درجة عسكرية).
وكان كثير من الشباب يهتفون ضد ممثليهم في المحليات، بل بعضهم أخذ يصرخ بلا وعي : "حوثيين..احنا حوثيين"
وأنهى الشباب تجمهرهم أمام إدارة الأمن بجمع توقيعات على عريضة موجهة للمحافظ شكوا فيها محاباة يمارسها أعضاء المحليات اتهموهم فيها بخيانة ناخبيهم والتحايل عليهم وعمل كشوفات خاصة بأقاربهم واستبعاد المستحقين...وطالب الموقعون بالعدالة والمساواة وإلغاء الإجراءات الظالمة.
الشاب محمد حسن قدم من مديرية حفاش البعيدة بهدف متابعة إمكانية الحصول على فرصة عمل ولو كانت في السلك العسكري، فهي بمساوئها أهون من البطالة، يقول: "غرمت الكثير عشان أجي إلى هنا، لكن لأنه ما بش معي عضو محلي قريب فقد أبعدوني عن البوابة وما رضيوش حتى يسجلوني في الكشف الاحتياطي".
أما علي عبده السند فيقول: "تخيلوا ما رضيوش حتى يسمحوا لنا نشوف اللجان هذا والله ظلم.. ما معاناش مجلس محلي"، من بعيد، وبصوت مرتفع، يقاطعه شاب آخر جاء لنفس الغرض: "والله انها بيع وشراء كل درجه بـ 15 ألف ريال".. إلا أنه تراجع عن التصريح بهذا الكلام للصحافة باسمه معتقداً أن ذلك سيسبب له المتاعب "تشتيهم يحبسوني وبعدا باتنفعني حقش الصحافه.. مه!".
ويتكلم فؤاد.م من مدينه المحويت: "والله إن معاهم حق اللي يسيروا مع الحوثي، أقل شي بيدي لهم زلط ويوعدهم بجنة مش زي المحلي حقنا..تخبوا. وكل واحد شبح واحد من أقاربه وماسمحوش لنا حتى نلقى اللجنة كأن ما احناش يمنيين"، ويستغرب صاحبه عبد الرزاق من معاملة اللجان وأعضاء المحلي للشباب طالبي التجنيد: "كأننا مش بشر أو مش موجودين. أعرف واحد أحول هو "مقوّت" ما يقدرش يكتب طلب مني أن أملأ له استمارته لأنه ما يستطيع يفك الخط، فكتبت وأنا وبعض الزملاء نستهزئ به لأن الشروط لا تنطبق عليه لكنه كان واثق من نفسه وقال اكتب بس، وفوجئنا أن اللجنة قبلته، وعرفنا فيما بعد أنه أدى (135) ألف ريال".
أما الوالدة أم أحمد من مديرية جبل المحويت فقالت لي، والدموع تغرق وجهها، إن ولدها كان يحلم بالقبول وإن زوجة أخيه المتوفي أعطته ما تملك من قطع صغيرة من الذهب أملاً في أن يتوظف ويكون عائلاً للأسرة الكبيرة: "عيال ولدي المرحوم ما معهم إلا عمهم احمد". لكن أحمد -وبحسب ما تذهب إليه الأم- تحطمت آماله والآن في البيت يبكي ويندب حظه وحظ الأسرة العاثر.
والتقيت الوالدة فاطمة التي تحدثت بنبرة حزينة "ابني ناصر أول ما سار إلى عند العضو حقنا وعده أنه بيعسكره، ولما جت اللجنة ما رضيش يخلي ناصر يروح معه وقال أنه مش عليه، فراح ناصر بنفسه لكن اللجنة قالت أن معهم أسماء في كشف جاهز فرجع للبيت وهو يبكي، واليوم الثاني تهرب إلى السعودية وما دريناش".
وتحدثت أم محمد عن ابنها الذي تخرج من الجامعة ولم يجد وظيفة فذهب إلى اللجنة لعل قدره يتغير، لكنهم أخبروه أن عمره كبير وأخبره البعض أن أكثر من مئة ألف ريال يمكن أن تجعل عمره قانوني! مآس كثيرة يرزح تحتها الشباب العاطلون عن العمل تفقدهم الشعور بالانتماء للوطن وتسد الخيارات أمامهم مما يجعل الإقدام على خيارات سيئة من قبيل التهرب الى دول الجوار أو الهتاف بحياة الحوثي مخرجاً سهلاً.