(واحد من زائري صنعاء )
فيما مضى لم أكن أعرف عن اليمن سوى التاريخ الموغل في القدم ، والضارب في جذور الأرض ، كنت أعرف
سليمان والهدهد وبلقيس وسد مأرب والسيل العرم والقبائل التي تبعثرت في أنحاء الأرض هربا منه وبعض العادات
العربية العامة والخاصة وبعض الثورات التي أرادت التحرر من الظلم والاسبتداد والتعسف ، والأرض الطيبة والطبيعة
الخلابة ، وجنات عدن ، وتوحد اليمنين ، والنزاعات المحلية والخارجية والإقليمية ، ولم أكن أفكر يوما بالسفر إليها
رغم عشقي السماعي لهذا البلد العريق الذي دعا له الرسول بالبركة ، وعندما شاءت الصدف أن أقرر في لحظة تكاد تكون
ثواني قصيرة لم أكن أتوقع أبدا أني سوف أشكر نفسي الشكر الجزيل ، وسوف أكون ممتنا لها أبد الدهر ، لم أجد صنعاء
مجرد مدينة تحيط بها الجبال الشاهقة الواقفة في خيلاء وإباء ضد أعتى رياح الزمن ، ولا مجرد أر ض خصبة مباركة ،
ولا بلدا يفخر بأصوله وتاريخه ، صدمت وصعقت حتى أعماق قلبي ونفسي وفكري ، وتساءلت : كيف لم أفكر ، كيف لم
أحلم ، كيف لم يخطر ببالي يوما أن أدلف هذه البقعة الأسطورية ، كيف لم تنازعني نفسي المسير ولو على الأقدام
إليها ، هل كنت مصابا بالعمى أو الصمم ، هل كنت غائبا عن الوعي ؟، نعم | لقد رأيتها صنعاءالحسناء التي وقعت في
غرامها ، صنعاء الأسطورة ، صنعاء الحلم ، صنعاء الحضارة ، صنعاء الثقافة ، صنعاء الأدب ، صنعاء الصمود والإرادة
والتضحيات، صنعاء الطيبة ، صنعاء الكرم ، صنعاء البساطة ، صنعاء الطبيعة الخلابة ، والناس الطيبين البسطاء
مهما علت مراكزهم , ومهما تسامت هممهم كقمم جبال صنعاء ، ومن أول وهلة وبمجرد أن وطئت قدماي أرضها ،
وجدت صدورا رحبة , ووجوها هاشة باشة مبتسمة ، وقلوبا ملؤها المحبة والتقدير والاحترام ، حتىمرت الأيام
سريعة لم أشعر بها إلا وأنا أفاجأ بأن الرحلة قد انتهت , وأن علي الرحيل ، وأحسست بشعورين متضادين غريبين
، فكنت كمن تتجاذبه ذراعان قويتان شديدتان كل منها تشداني إليهما حتى أحسست برغبة في البكاء ، كنت بين السرور
والفرحة بعودتي إلى دياري وأهلي وأولادي وبين الحزن والألم على فراق أهل وأحباب أشرعوا صدري علي مصراعيه
وسكنوه ، عدت إلى داري ودياري وأنا سارح شارد الفكر والعاطفة ،كلما عنت علي تلك الصور المنسوخة من
الطبع والطبيعة ، أبتسم ابتسامة العاشق الولهان .لا يمكن أبدا أن أعبر عما في داخلي ولو أطلقت لنفسي العنان لكانت
صحائف ملئ هذي الأرض ، لذا أجدني لا أملك أن أقول إلا :أحبك يا صنعاء ، وعائد إليك يا صنعاء ، ولن أموت إلا وأنا ألهج
باسمك يا صنعاء ، بوركت يا صنعاء
كلمات احد زائري صنعاء ::