من منا لم تعرقله الحياة بصعابها
وتفجعه بأحداثها و تكويه بلظى كرباتها ؟! جميعنا .. الغني والفقير .. المؤمن والكافر .. الساخط والصابر .. على اختلاف
هوياتنا وأجناسنا ومذاهبنا وأعمالنا .. لم نسلم من كدر الحياة ومنغصاتها ..
طُبعتْ على كدرٍ وأنت تريدها .. صفواً
من الأقذاء والأكدارِفهذه سنة الله في الكون .. ليمحص الله
الخبيث من الطيب .. والصالح من الطالح .. والصابر والشاكر من الساخط والفاجر ..
وفي خضم المصيبة تتفاوت القلوب في
تعلقها ..!!
فنجد من يعلق أمله وقلبه بالطبيب كي
يشفيه .. ومن يعلق قلبه بالمسؤول ليقضي حاجته .. ومن يعلق قلبه بالصديق والصاحب ..
والأنكى أن نجد من يعلق قلبه بميّت لايضر ولاينفع .. ولايسمع ولايجيب ..!!
لكن من منا يعلق قلبه بالله تعليقاً
خالصاً به وحده وقت نزول المصيبة ؟؟هل علقنا يوماً قلوبنا بالله وحده وقت
الشدّة والكرب ؟ كما علقنا قلوبنا بالأطباء والمسؤولين
والمعلمين بل والرفاق ... هل جربنا أن نلجأ لله وحده ونوكل أمرنا إليه ؟!
هل فكرنا أن نقول : يا الله .. يا رحمن
.. يا ودود .. يا قريب .. يا مجيب .. يا رحيم .. نرددها بقلب صادق وواثق بربّه ؟ هذا نبي الله هود عليه السلام يواجه
قوماً جبارين لامثيل لقوتهم في ذلك الزمان .. ذُكرت قوتهم في القرآن .. مع ذلك
يواجههم وحيداً ويتحداهم قائلاً بثبات :
( فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون) أي لا تؤخروني
!! .. طيب ماذا تملك يا نبي الله هود حتى تتحدى هؤلاء الجبابرة ؟ هل تملك الجيوش ؟
الدبابات ؟ العتاد ؟! .. لا .. يقول بثقة من علق قلبه بالله : ( إني توكلت على
الله ربي وربكم , ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها , إن ربي على صراط مستقيم ) .. فهذه هي القوة التي لا تُغلب .. التوكل وحُسن الالتجاء إلى الله تعالي ...
وهذا أبو الأنبياء وأبو التوحيد
إبراهيم عليه الصلاة والسلام أُلقي في النار التي أشعلها لحرقه أعداؤه .. فقال له
جبريل : يا إبراهيم ألك إليّ حاجة ؟ فقال إبراهيم : أما إليك فلا ، وأما إلى الله
فبلى .. فقال جبريل : فسل ربك . فقال إبراهيم : ( حسبي من سؤالي علمه بحالي ) فقال الله
مخاطباً النار : ( يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ) ..
بل إن القرآن يعطينا درساً في ضرورة
اللجوء إلى سبحانه ويخاطب عباده : ( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء وجعلكم خلفاء الأرض أإله مع
الله قليلاً ماتذكرون )
ويخبرنا أن مشركي العرب إذا نزلتْ بهم
نازلة .. وماج بهم الموج .. علموا أنه لن ينجيهم إلا الله .. ( فإذا ركبوا في
الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون )
قيل في الإسرائيليات : أن رجلاً كان يعبد
صنماً وينادي دائماً إذا نزل به البلاء : يا صنم .. أغثني ! يا صنم أعطني كذا !!
فمرةً من المرات أخطأ في اللفظ وقال :
يا صمد .. أعطني كذا ... فاستجاب الله دعاءه ! فتعجب نبي ذلك الزمان من استجابة
الله لدعاء هذا المشرك .. فأوحى الله للنبي : هل يوجد صمد غيري ؟!!
فسبحان من وسعتْ رحمته كل شئ .. وصلى
الله على نبينا محمد وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار ومن سار على نهجهم إلى يوم
الدين ..