إني من الذين يسحرهم الجمال، ويستميل عقولَهم الحسنُ والإبداع، وتحرك مشاعرهم الروعةُ والبهاء.
أحياناً أقول: إنها من المنن العظيمة، والأعطيات الجزيلة، والهبات الغامرة!
وأحياناً أخرى أقول – مفؤوداً ملتاعاً -: آه ما أعظم البلية عليّ بهذا! إن هذا لمن أعظم البلاء، وشديد الابتلاء..وهكذا أعيش بين هذه وتلك!!
لا أدري..
دعونا من هذا! قلت لكم: إنني ممن يسحرهم الجمال والحسن..لهذا أقول:
إنني أقرأ كلام الأدباء..وأنشد أبيات الشعراء؛ فينتابني شعور – من حلاوة ما أتذوق – كأن الدنيا قد حيزت لي بحذافيرها! لا أريد أن أنظر إلى شيء آخر، لا أريد أن أفكر في حاجة أخرى؛ لأني أرى ما لا صبر لي عليه!
أقرأ كلام الأدباء..فأحس بأقراص العسل تتقلب على لساني! ويكاد لعابي أن يسيل ليلثم تلك الكلمات، ويصافح تلك العبارات!
أقرأ كلام الأدباء..فأشعر بألف لون من الشعور؛ لأنني أتقلب معهم حيثما قلبتني عباراتهم..فأبكي أحياناً، وأبتسم أخرى، وأغضب مرة، وأحزن أخرى..لكن مع هذا فأنا أعلم﴿وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله﴾!
أقرأ كلام الأدباء..فأشفق – والله – عليهم، وأرحمهم، وأحزن لهم، وأندب حالهم، وأتألم لمصابهم..فما أرقهم! وما أندى مشاعرهم، وألطف أحاسيسهم، وأسرع دمعتهم، وأقرب تأثرهم..
هكذا هي مشاعري..حين أقرأ كلام هذا الضرب من الناس.
وفي المقابل:
أقرأ كلام الله تعالى..فإذا هي مشاعر أخرى..لكن كيف أعبر عنها؟! ماذا أقول؟! وهل يستطيع البيان أن يسعفني هنا؟!
لا أظن البيان يقدر أن يتجهم هذه العقبة الكؤود! كيف للبلاغة البشرية الأرضية القاصرة أن تعبّر عن مشاعر تلك النفس وهي تطالع البلاغة الإلهية السماوية الكاملة..بل والمعجزة؟!!
كيف أقول؟! يارب ألهمني، يارب علمني البيان، يارب احلل عقدة من لساني...
إنني لا أستطيع إلا أن أقول:
إني أقرأ كلام الله..فـ...كيف أعبر يارب؟!! والله إن في نفسي مشاعر عظيمة حين أقرأ كلامه تعالى، لكن كيف أصفها؟ كيف أصوغها؟!
أقرأ كلام الله..فأحس أنني أرتفع .. هكذا صدقوني، أحس أنني أرتفع حتى أكاد أن أتلفت يميناً وشمالاً! نعم؛ لأرى هل مازلت في مكاني!! إنني أشعر بشيء يرفعني إلى أعلى!
أقرأ كلام الله..فأشعر أنه وُضِع في يدي مفتاح عجيب..أستطيع بهذا المفتاح أن أفتح أي شيء في الكون قد أذن الله للبشر أن يفتحوه!
أستطيع بهذا المفتاح أن أفتح باب السعادة التي يبحث عنها العالَم..ولا زال!
أستطيع بهذا المفتاح أن أكون أغنى رجل في الكون..!
أستطيع بهذا المفتاح أن أنتصر في كل معركة، وأربح كلَّ جولة من جولات الحياة!
وأن أفتح وأفتح...
أدري أنك ستقول: فلماذا إذن لست – مثلاً – أسعد رجل في العالم؟! فأقول لك:
لأنني أعترف أني لم أوف ذلك المفتاح كل أسنانه..
﴿قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾[طه: 46]..إنه مفتاح المعية الإلهية.
أقرأ كلام الله..فأشعر أن هناك قوة ما! نافِذَةٌ عجيبة..قوة مطلقة، لا تقف أمامها شيء..لا..لا..لا تشبّهْهَا بشيء من القوى الأرضية هذه!
قلت لك أنني حينما أقرأ كلام الأدباء أشفق عليهم، وأرحمهم، وأشاهد ضعفهم ورقتهم..
لكن حينما أقرأ كلام الله..فإذا السلطان الذي لا يتسلط عليه شيء..وإذا القدرة التي لا يقدر على مدافعتها أحد..وإذا الأمر الذي لا يرده شيء..
﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾[الأحزاب: 27]
هذه عبارات عصرت لها فكري..وكددت لها جهدي..فجاءت هكذا..فلله الحمد.
وختاماً أقول:
إن من أصعب ما أعانيه في حياتي – ولعلك قد توافقني الرأي – هو: وصف المشاعر، ومحاورة مكنونات القلب؛ علها تبدي لك شيئاً من وجهها..
إن لغة المشاعر هي أعقد لغة في دنيا البشر..لماذا؟!!
لأنها اللغة الوحيدة التي ليس لها حروف..!
وما في هاهنا إنما هو تعبير لا مشاعر!!
أستودعكم الله
سمير بن علي بن محمد غياث
Gaeth68@gmail.com